عبدة الصفر - آلان نادو - فرنسا ١٩٨٩


     لم أفهم تماماً في البداية هل الرواية حقيقية أم خيالية أم خيالية تقوم على بعض الوثائق الحقيقية. لكني على مشارف النهائية تأكدت أنها خيالية بكل وثائقها و حتى بعض شخصياتها التاريخية هي وليدة خيال الكاتب.

     تحكي الرواية عن أستاذ جامعي قضى فترة من عمره بالإسكندرية محاضراً في جامعتها. و هناك يتعرف على زميله الدكتور وسيم وتنشأ بينهما صداقة. يكتشفوا بالصدفة مقبرة أثرية أسفل ڤيلا الدكتور وسيم التي تقع في ضاحية قريبة من الإسكندرية.

     وهناك في تلك المقبرة يجدوا چرة بها عدة مخطوطات قديمة…. يبدأوا بترميمها و دراستها سراً. و بعد دراسة المخطوطات و ما تكشفه ينسحب دكتور وسيم من المشروع و يُتوفى قبل طبع الكتاب. و نُكمل مع راوينا الاستكشاف.

     الكتاب عبارة عن ٢٥ وثيقة معظمها من مخطوطات الچرة و جزء فيه وصف لما رآه في المقبرة المُكتشفَة و جزء من وثائق عثر عليها أثناء أبحاثه و هو يدرس المخطوطات.

     الوثائق توضِّح تاريخ جماعة فيثاغورس، عالم الرياضيات و الفلك و الفيلسوف اليوناني، من بدايتها و على مدار ألف عام تقريباً. بكل ما مرت به من مراحل تكوين و عقيدة و طقوس و زهد و اضطهاد وشك و عدم يقين و انقسام و إبادة. كل هذا في طريقة سرد هي أقرب للتقارير و الأبحاث و ليس للرواية. فكلها مجموعة وثائق يعلق عليها الراوي قبل عرضها تعليق بسيط يوضح فيه ظروف كتابة الوثيقة مثلا أو هل تم التأكد منها أو من شخصية كاتبها.

     تبدأ الطائفة بعبادة الأعداد و تقديسها (قبل معرفة الصفر). و كانت تعيش و تدرس و تُعلِّم جميع فروع العلم بناءا على مبدأ وحيد هو: تحديد النسبة السليمة في كل شيئ، أي العلاقة الرياضية المثلى مصدر جميع الكمالات. سواء في تنظيم الأماكن أو في مبادئ الأخلاق أو في الموسيقى أو الطب و السياسة.


و تتلخص رسالة الأعداد في الآتي:

  • واحد:  هو أول الأعداد كلها الذي به يبدأ كل شيء، هو أصل سلسلة التعداد و اللانهائية، هو الدال على أن الله أول أحد، لم يكن و لن يكون سوى وِحدة واحدة لا ثاني لها. لا أول لها ولا آخر.

  • اثنان:  هو بتركيب الواحدين الأولين يستحضر الله. رحم كامل لا زمني. أصل لكل الموجودات. فالاثنان دال على أن قدرة الله على التكوين لا حدود لها و مقدرته على خلق الكون من لدنه وحد مقدرة لا تفنى.

  • ثلاثة: هو بقوة العددين الأولين، اقتران الذكر (الواحد) بالأنثى (أثنين). نتاج ونتيجة لهذا التكوين الحياة ذاتها. كل ما يصل بمحض ذاته إلى الوجود و إلى الحركة. فالله هو التكون و المتكون. خالق نفسه و علة نفسه.

  • أربعة:  هو المربع الكامل الأول، هو الدوران، الاعتدال و التناسب. هو عدد عدالة الله التي منها ينحدر علمه الكلي. فلا حكماً منصفاً إلا بالمعرفة المطلقة لجميع الأشياء.

  • خمسة:  هو جمال الله و انسجام صورته، جمال ليس بالعارض أو المطلق، يتنزه عن الأمور الدنيوية و يتعالى على نفسه. إن ارتسام النجم الخماسي (شعار الفيثاغوريين) في الدائرة يعطي "النسبة الإلهية" أي العدد الذهبي، مصدر كل جمال، نموذج جميع الكمالات الموجودة بالكون.

  • ستة:  هو الذي يرمز إلى حركة الأشياء و الكون. كما يرمز إلى الزمان و إلى الأزل و هو صفة من صفات الذات الإلهية. وإذا كانت الخمسة كمال الصورة المرتسمة في المكان. فالستة هي الكمال الدائري للديمومة. العدد ستة هو أساس النظام الاثني عشري الذي ينظم تعاقب الأيام و الليالي و الفصول والسنين.

  • سبعة:  هو العدد المقدس، العدد الفردي الأشرف، رمز الإله غير المنقسم. إن العدد سبعة شأنه شأن الإله لا يتغير، لا يتحرك، لا ينقسم، لا يقبل الإضافة ولا النقصان. فيه تُلغى الأضداد، هو بمنأى عن تجابه المتقابلات منابع جميع الاضطرابات. هو السلام هو الحب، هو النعيم. يحكم، لا يتحرك، حضوه كلي، يكتفي بذاته. هو التعبير الأسمى عن الكلية لأنه نتاج الحلف السرمدي بين الزوج و الفرد، الذكورة و الأنوثة. "(١+٦) أو (٢+٥) أو (٣+٤)"

  • ثمانية:  هو أول عدد تام يعبر بالأبعاد الثلاثة ( ٢x٢x٢ = الطول x العرض x العمق ) عن الامتداد اللانهائي لله و قوته المتخللة كل شيء، المنتشرة في تلافيف النفوس و أقصر أرجاء الكون. فهو أول الأعداد المكعبة يسبر أبعاد الفضاء. لا يغيب عنه شيئ ولا يخفى عليه شيء.

  • تسعة:  هو أكثر الأعداد غموضاً. هو اللغز الذي فيه يتجلى الله بكل قوته. هو رمز المانع الممتنع. يوحي بأن الله لا نهائي شفيف معاً. فيه يختلط ويذوب الماضي والحاضر والمستقبل. إنه المعرفة المطلقة التي تلغي نفسها في الزمان. إن العدد تسعة يقهر سائر الأعداد و يُجِب جميع الموجودات. كل شيء يولد منه و يعود إليه لا محالة ليتلاشى فيه.

     كان هذا أساس تعاليم فيثاغورس. كما هو  واضح لم يكن هناك وجود للصفر أو أي دلالة على معرفته إلا حكاية عن دخوله الهرم الأكبر خوفو في فترة مكوثه في مصر و انه وجده خالي فبدأت في عقله فكرة اللاشيء أو الصفر و أكدها نزوله الجحيم أو حلمه بذلك في وثيقة غير منطقية ولكنه كتم الفكرة أو تغاضى عنها لأنها ستغير تعاليمه بالكامل. فظل يقدس الأرقام و يتعلمها و يُعلمها.

     ثم جاءت المسيحية التي اضطهدت كل الوثنين و فترة محاكم التفتيش و تهم الهرطقة و بدأت الطائفة في ممارسة طقوسها سراً و كان مقرها المقابر خارج مدينة الإسكندرية، بنوا معبدهم (الذي وجده الراوي و الدكتور وسيم كما عرفنا في بداية الكتاب) و مارسوا طقوسهم و أخفوا معتقداتهم.

     وكما يقول التاريخ عرف الهنود الصفر ( أو عُرف قبلا في بابل و لكن كان يدل فقط على الفراغ الحسابي و لم يكن ىه مفهوم فلسفي) ثم الهند إلى العرب عن طريق التجار و عرف الفيثاغوريين الصفر من العرب بل و استقدموا بعض من الدارسين العرب (قبل دخول عمرو بن العاص مصر) لتعليمهم عن الصفر ورسم الأرقام.

     وبدأت الطائفة بعد معرفة الصفر في الاضطراب والشك في معتقداتهم لأن الصفر بمفهومه الفلسفي يلغي مفاهيمهم و ظا يؤمنون به. وبدأت الطائفة في الانقسام. فمنهم من تقوقع في الطقوس و الكتابات القديمه علّه يجد الإجابة واليقين، ومنهم من آمن بالصفر و بدأ في تقديسه وكانت هذه نواة جماعة "عبدة الصفر".

     ثم دخل العرب مصر وحاصروا الإسكندرية ليدخلوها ويدّعي الراوي أن الطائفة ساعدت العرب في الدخول بشرط أن يكفلوا لهم حرية معتقداتهم ووافق العرب من منطلق أنه بمرور الوقت يدحض الإسلام كل مزاعمهم عن الأرقام و تقديسها.

      ثم يتحدث عن عالم رياضيات و فلك عربي مسلم هو عبدالعالي العشار( شخصية خيالية) الذي سيستقدمه العرب ليقيم مناظرة مع عبدة الصفر. و كان شرطهم أن تكون المناظرة في معبدهم عند المقابر. و عندما بدأ العالم المسلم في الكلام و بدأ بعض أفراد الطائفة في الاقتناع أو الشك في تعاليمهم حدث الهرج و المرج و تقدمت فرقة من عبدة الصفر يحملون السلاح و بدأت في قتل وفد المسلمين و من بينهم العالم نفسه و لم ينج إلا شخص وحيد تمكّن من الهرب وهو الذي كتب عن الحادثة وتفاصيلها.

    يُقال أن"عبدة الصفر" بدأوا بتخريب المدينة والقيام بعمليات سلب ونهب وتدمير لمقدساتها ويُقال أنهم هم من كانوا يتعرضون للاضطهاد و سلب و زهب بيوتهم من قِبَل مجموعات مسيحية فكانوا يغيرون عليهم ليلاً ليستردوا حقوقهم.

   النهاية كانت مع فرقة مسيحية يعرفون مكان المعبد في المقابر فرسموا خطة لكسر صهريج قديم قريب من المعبد فتدخل المياه للمعبد و الهاء جماعة عبدة الصفر ثم الدخول عليهم بالاسلحة و قتلهم جميعاً و هو ماحدث حيث كتب أحدهم آخر رسالة أثناء المعركة وخبأها مع الوثائق المتاحة وهي الوثائق التي وجدها استاذي الجامعة في العصر الحالي بالصدفة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عربية في إيران - ندى الأزهري - سوريا ٢٠٢٣

المِعطَف - نيكولاي جوجول - أوكرانيا/روسيا ١٨٤٢

قناديل ملك الجليل - إبراهيم نصرالله - فلسطين ٢٠١١