خُبز على طاولة الخال ميلاد - محمد النعّاس - ليبيا ٢٠٢١

     "عيلة وخالها ميلاد" مَثَل ليبي يُقصد به الرجل الذي لا يسيطر على أهل بيته من النساء…. وهنا نسمع قصة ميلاد بلسانه ونرى الحكاية من وجهة نظره.

     للأسف واقع المجتمع الليبي الذي يعرضه الكاتب لا يختلف كثيراً عن واقع معظم الدول العربية.

      كما يقول في الرواية "الراجل ما يعيبه شيء" أو كما نقول في المثل المصري "الراجل ما يعيبه إلا جيبه" بمعنى أن يفعل ما يحلو له دون أن يحكم عليه المجتمع. المجتمع بتقاليده و أعرافه هو الحاكم والجلاد ولا يجرؤ أحد على الخروج عليه. حتى وإن ترى خطأ المعتقدات، وحتى لو تعارضت أفكار المجتمع مع الدين، لايهم. الأهم أن تبقى تحت مظلة المجتمع وأحكامه وتحيا تبعاً لقوانينه 

     ميلاد ضحية مجتمع خلق منه شخصية غير متوازنة. فهو يرفض رؤية المجتمع للصح والخطأ، ويحاول إعمال عقله لكنه مُحاط بالمجتمع. حتى أهله هم جزء من المجتمع. نراه يتربَى على أشياء ثم يُعاقب على فعله. يثنوا عليه مرة و يُعاقب أخرى على نفس الفعل. يطروا اختلافه ثم يعايروه به. 

     اختلطت عليه كل الأمور، لا يعرف ماذا يقبل وماذا يرفض من أحكام مجتمعه. تَفسَد بوصلته الفطرية في معرفة الصواب والخطأ.

     لم أحب النهاية لكنها للأسف أمر محتوم في ظل المجتمع.

    أكثر ما أحببت في الرواية، علاقة ميلاد بالخُبز. كيف يتحدث عنه وعن أنواعه. كيف ينسى الدنيا ليَخبِز بالمقادير والخطوات المدروسة. كيف يحكي عن عملية الخَبز وكأنها فن يستمتع به.

اقتباسات:

"عند عودتي إلى المنزل أخبرت أبي بما حدث، لم یُبِد أي ردّ فعل. ظل یدخّن سجائره، ویحلّق بنظره في السماء، وددت لو صرخت في وجھه بأنّه يخون كل ما علّمني إیّاه."

"الرجل يزرع ويحصد والمرأة تطبخ، الرجل یبني ویعّمر والمرأة تنظّف ما بناه، هذا هو الاتفاق الضمني بین الجنسین، وأي خلل يجب إصلاحه."

"هذا لا يعني أنني أنتقد الأخ القائد، حاشا وكلّا، فالأخ القائد قد حرر ليبيا من سلطة الأجنبي. لكنني واثق من أنه لا يعلم بحقيقة ما يحدث في البلاد، إن بعض الناس يفسرون كلامه بطريقة خاطئة، هذا كل ما في الأمر، هل فهمت؟"

"هل أخبرك بنقيض الحب؟ نقيض الحب ليس الكراهية، نقيض الحب مختلف تماما عن الكراهية، إنه اللامبالاة، التبلد، التباعد رغم العيش في مكان واحد، ألا تبتسم في وجه الآخر بعد أن كانت مجرد رؤيتك إياه تمكنك من الطيران، أن تنطق كلماتك اليومية «صباح الخير»، «نعم الغذاء جاهز»، و«قهوة؟» خالية من الدفء، كأنك تتحدث مع موظف في السجل المدني بالبلدية. يحل البرد على الدار. لن يعود السرير الذي يحملكما مريحًا، أو داعيا إلى التقارب، تنزوي على حافته كأنك جاهز للقفز من جرف، الكراهية شعور جارف، حارق لكنه يبقى شعورا، شيئا يتحرك داخلك، التبلد نقيض ذلك، بركة راكدة من الماء لم ينعم عليها الزمن حتى بحجر يلقيه طفل."

"فكرت في عمي الذي سألني، ذات مرة، عما إذا كان ابنه يسكر أم لا. قلتُ له: «لا، ولكن أظنه يضاجع العاهرات فقط». انفتحت أسارير العم قائلًا لي: «إن كان كذلك فلا بأس، المهم ألّا يقرب الخمر يا ميلاد، الولد أمانة في رقبتك»."


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عربية في إيران - ندى الأزهري - سوريا ٢٠٢٣

المِعطَف - نيكولاي جوجول - أوكرانيا/روسيا ١٨٤٢

قناديل ملك الجليل - إبراهيم نصرالله - فلسطين ٢٠١١