خريدة القاهرة - حامد محمد حامد - مصر ٢٠٢١

 خَرِيدة القاهرة: شيء من سيرة الأماكن والأشخاص

"فالأماكن تهب أصحابها حياةً بعد حياتهم، وامتدادًا في الزمان والمكان يدوم بدوام البناء، وعالم الحكايات لا يلتزم المنطق ولا القواعد الجامدة ولا يعبأ كثيرا بالتسلسل التاريخي، وكثيرًا ما تقرر الحكايات بنفسها متى ستُحكى وكيف!"


     ينقسم الكتاب إلى مجموعة من الفصول، كل فصل عن مكان في القاهرة. لكن الكاتب هنا لا يتحدث عن تاريخ المكان كما اعتدنا لكنه يتحدث عن حكاية حدثت في المكان. يمكن أن تكون أدّت إلى بنائه أو حدثت لشخص له علاقة بالمكان أو حتى حكاية في عصر مختلف تماماً عن عصر بناءه.

     الأماكن بعضها معروف وبعضها غير مشعور بالقدر ذاته. الفصول كثيرة والأماكن كثيرة والحكايات كثيرة. ليست كلها على نفس القدر من الجاذبية لكن يجمعها لغة الكاتب السهلة والمعلومات التي يجمعها من مصادر مختلفة والمقدمة والتعقيب المميزين لكل حكاية.

     يدفعك الفضول غالباً لمزيد من البحث عن الأشخاص أو الأحداث. ترى من من خلال الحكايات حال الشعب المصري وعلاقات الناس ببعضها وبالسلطة، واختلاف الحالة السياسية والاقتصادية وتأثيرهما المباشر على المجتمع ومعاملاته.

اقتباسات:

"أكثر ما يسحرني في القاهرة هو طبقات التاريخ المتراكمة بعضها فوق بعض، بحيث إنك تقف مذهولا أمام مكان واحد وقد مرت عليه ألف حكاية في ألف زمن، فتغبط الأماكن على طول أعمارها وعلى كثرة ما رأته وكانت شاهدة عليه !"

"لا تتعلق هذه المذبحة بتدين المصريين بقدر ما تتعلق بالكيفية التي يتفاعل بها الناس مع الدين وكيف يصنعون منه نسختهم الخاصة التي ترضي احتياجاتهم ورغباتهم مهما كانت عنيفة ولاعقلانية، ومهما كانت مختلفة عن الدين الرسمي بصيغته المحفوظة في الكتب، والناتج هو مزيج مدهش اسمه الدين الشعبي. هذا الدين الشعبي بسماحته الفائقة أحيانًا ودمويته البالغة أحيانًا هو ما يجب أن يكون حاضرا في أذهاننا باستمرار ونحن نقرأ التاريخ، باعتباره المحرك الخفي لأغلب وقائعه."

"الحكايات كالسمك، تأكل الحكاية الكبيرة أختها الصغيرة وتقضي عليها تماما ...  فلا نهاية للحكايات الصغيرة المدهشة التي طواها النسيان بسبب طغيان الحكايات الكبيرة، بحيث أصبح لكل مكان عدد من الحكايات المكررة، نجترها مرّةً بعد الأخرى ونظن أننا قد امتلكنا ناصية الحكي بهذه الطريقة، على الرغم من أن حكايات المكان الواحد بعدد أنفاس البشر الذين زاروه وضفروا حكاياتهم بحكاياته."

"التأريخ كائن حي لا يكف عن التغير والتبدل، صحيح أن أحداث التاريخ ووقائعه ثابتة بحكم أنها حدثت وانقضت في الماضي، لكن تفسير أو تأويل ما حدث هو ما يتغير مع الوقت ومع تنوع الثقافات والمشارب؛ لذا فزيارة المصادر التاريخية المعاصرة للأحداث تغدو رياضة ذهنية ممتعة تكسر احتكار وقولبة أحداث التاريخ في صورة رسمية واحدة."

"يصلح التاريخ، أحيانًا، كي يكون مرآة نتعرف فيها إلى حقيقة أنفسنا، ونرى فيها بوضوح الأفكار التي اجتهدنا، بقصد أو من دون قصد، في إخفائها طويلا، كالطريقة التي نتعاطى بها مع «فتوحات» محمد علي باشا في السودان، وبنائه الإمبراطورية المصرية»، والكيفية التي نترحم بها على أيام التوسع المصري، بالحماسة ذاتها التي نهاجم بها الاستعمار الإنجليزي الذي نرى أنه أصل كل البلايا التي نعانيها إلى اليوم."

"أحداث التاريخ عادةً ما تكون مُضفّرة بالأساطير والحكايات، ومن دون أن نعي عبقرية تلك الخلطة الساحرة سيصبح التاريخ مسخًا لا يختلف كثيرًا عن مقررات التاريخ المدرسية، وكثيرًا ما نكتشف أن تلك الحكايات التي تبدو لنا للوهلة الأولى شديدة التفاهة والعبثية، تلعب دورها من دون أن نشعر في صنع التاريخ وفي صياغة الحاضر أيضًا !"

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عربية في إيران - ندى الأزهري - سوريا ٢٠٢٣

المِعطَف - نيكولاي جوجول - أوكرانيا/روسيا ١٨٤٢

قناديل ملك الجليل - إبراهيم نصرالله - فلسطين ٢٠١١